ثقافة القمار العربية
عند اختتام استكشافنا لثقافة المقامرة العربية، فإننا ندرك النسيج المعقد الذي نسجه التاريخ والدين والحداثة، تتسم رواية المقامرة في العالم العربي بالتناقضات والتعقيدات، حيث يلتقي إغراء الصدفة مع المبادئ الثابتة للشريعة الإسلامية التي تحرم المقامرة بجميع أشكالها.
من خلال “ثقافة المقامرة العربية: توازن دقيق”، غامرنا بالدخول إلى عوالم التجمعات الخاصة والإيماءات الدقيقة لألعاب المهارة التي تقع ضمن حدود القبول الثقافي، لقد رأينا العمليات السرية والمناطق الرمادية القانونية التي يتنقل فيها أولئك الذين يبحثون عن لذة الرهان، فضلاً عن الحلول المبتكرة التي تتماشى مع المبادئ الثقافية والدينية.
في حين أن الوجود العلني للمقامرة في العالم العربي قد لا يعكس وجوده في الثقافات الأخرى، فإن الانبهار البشري بالمخاطر والمكافأة يجد مساراته الخاصة، وغالبًا ما يؤدي إلى منصات ومناطق قضائية على الإنترنت حيث يُسمح بمثل هذه الأنشطة، لقد ترك العصر الرقمي بصماته بلا شك، حيث يوفر بوابات سرية يمكن من خلالها للمتحمسين المشاركة في هذه التسلية العالمية.
في الختام، نحن ندرك أن الحديث حول المقامرة في الثقافة العربية يتطور باستمرار، ويتأثر بالتغير الاجتماعي والتقدم التكنولوجي والحوار العالمي حول الألعاب ولوائحها، كانت هذه المقالة مجرد لمحة من خلال ثقب المفتاح لمشهد ثقافي غني ومعقد، حيث تستمر التقاليد والحداثة في الانخراط في رقصة رقيقة.
سواء في عظمة الكازينوهات الأجنبية الفخمة أو من خلال التوهج الهادئ لشاشة الكمبيوتر، تستمر ثقافة المقامرة العربية في التكيف والصمود، إنه عالم يستحق الاحترام لمعتقداته وتقاليده، حتى وهو يتصارع مع التحديات المعاصرة والجاذبية العالمية للعبة الحظ.
تاريخ المقامرة في المنطقة العربية:
قد تُفاجَأ إن قلت لك أننا جميعاً ـ على اختلاف أعمارنا وجنسياتنا ولغاتنا وثقافاتنا ـ نمارس نوعاً من أنواع القمار بشكل يومي! لكن هذا واقع. إن كنت تجلس مع صديقك مثلاً؛ وقلت أنت معلومة تفترض أنها صحيحة؛ وقام هو بالإدلاء برأي يناقضها؛ فقد تكون أول جملة تخطر على بالك هي: “هل تراهن؟”.
قد تكون جائزة الفائز بهذا الرهان في مثالنا السابق أمراً رمزياً أو ذات قيمة مادية منخفضة؛ لكن لذة النصر حتى لو كان الأمر تافهاً تعطي شعوراً عظيماً بالإثارة.
ولعب القمار بقصد الترفيه ليس أمراً جديداً أو طارئاً على الحياة البشرية؛ بل يعود تاريخه إلى آلاف السنين؛ إذ تثبت الاكتشافات الأثرية أن أقدم لعبة قمار مكتشفة يعود تاريخها (حسبما يقدره علماء الآثار) إلى عام 2300 قبل الميلاد؛ وقد كانت موجودة في الصين.
وبتفحص تاريخ منطقتنا العربية؛ نجد أدلة على وجود أشكال متعددة من المقامرة لدى العرب (كالنرد والشطرنج وسباقات الخيل وسباق الهجن؛ وحتى منافسات الشعر)؛ وهو ما كان يعتبر نوعاً من أنواع الترفيه والتسلية وفي مهارة وحذق وذكاء. ومع تغير الوضع السياسي في المنطقة العربية كانت تتغير النظرة والموقف من المقامرة؛ حيث تم تحريمها بعد مجيء الإسلام بشكل نهائي وكانت تفرض عقوبات قاسية على المشاركين في أي نشاط يتعلق بها؛ إلا أن هذا التحريم قد تم التساهل في تطبيقه نوعاً ما خلال فترة حكم الخلفاء الأمويين والعباسيين (وبعض الأدلة تثبت أن قد تم تشجيعها حتى من قبل بعض حكام تلك الفترة كنوع من الترفيه). ومن ثم؛ تم حظر المقامرة مجدداً بعد الغزو المغولي وأثناء الحكم العثماني على اعتبارها تهديداً للأخلاق والدين.
منذ القرن الماضي وحتى الآن؛ زاد انتشار المقامرة في البلاد العربية تحت تأثير عوامل عدة؛ بداية بالحملات الاستعمارية وما رافقها من إدخال الثقافة الغربية إلى المنطقة؛ ومن ثم انتشار التكنولوجيا بشكل عام والعولمة والسياحة أيضاً. ما دفع بعض الدول العربية إلى قوننة القمار ضمن ضوابط وأماكن محددة (لبنان مثلاً انشأ كازينو لبنان الذي يعد واحد من أهم الكازينوهات على مستوى العالم والذي يقدم خدمة تقارب في جودتها خدمة الكازينوهات الغربية ويسمح للمواطنين الللبنانين بالإضافة إلى الأجانب الدخول إليه واللعب فيه، بينما تم إنشاء عدة كازينوهات في مصر؛ لكن المصريين لا يسمح لهم إلا العمل فيها ومن الممنوع الدخول إليها بقصد المراهنة).
الواقع الحالي للمقامرة والكازينوهات في البلاد العربية:
بالنظر إلى انتشار الدين الإسلامي في كافة الدول العربية وكون هذه الدول تستمد أغلب تشريعاتها وقوانينها وأحكامها منه؛ فقد تم منع القمار والكازينوهات في أغلب هذه الدول وصولاً إلى حد التحريم في بعضها وفرض عقوبات قاسية بحق من يضبط وهو يمارس القمار. لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال غياب المقامرة عن الحياة العربية. لنأخذ بعض الأمثلة عن ذلك:
– أصدرت دول عربية قوانين شرعت بموجبها المقامرة بأسلوب منظم من قبل الحكومة في العديد من الأماكن (كازينوهات وغيرها)؛ ويسمح لمواطني هذه الدول الدخول واللعب في هذه الأماكن مثلهم مثل السواح الأجانب. كالجمهورية اللبنانية والجمهورية التونسية.
– بعض الدول العربية سمحت ـ تشجيعاً للسياحة ودعمها ـ بإنشاء بعض الكازينوهات الفندية (الملحقة بالفنادق والمنجعات)؛ والتي يحق فقط للسواح الأجانب دخولها دوناً عن مواطني الدولة الذين يحق لهم العمل فيها فقط. مثل جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية.
– في دول عربية أخرى ـ رغم غياب أي تشريعات تسمح بالمقامرة (بل على العكس؛ في ظل وجود قوانين تعاقب عليها) ـ يتم التساهل إلى حد كبير في تطبيق قوانين منع القمار (حتى أن بعض هذه الدول تحتكر إصدار بطاقات اليانصيب وألعاب اللوتو). مثل الجمهورية العراقية والجكهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
– خلال العقدين الأخيرين؛ بدأت تنتشر الكازينوهات عبر الانترنت؛ وهو من جعل منح مئات الآلاف من المواطنين العرب إمكانية الوصول إلى ألعاب المراهنة على اختلاف أشكالها دون أن تتمكن حكومات دولهم من تقييد حرية الوصول هذه؛ ما ساهم في انتشار هذه المواقع في العديد من الدول (خاصة دول الخليج العربي مثل دولة الكويت ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية؛ وكذلك الجزائر والأردن).
أكثر الرهانات شعبية في الدول العربية:
لا بد هنا من ذكر بعض أكثر أنواع الرهانات التي تجذب اللاعبين العرب:
· مراهنات كرة القدم: يراهن اللاعبون العرب على الأحداث الرياضية على اختلاف أنواعها بكثرة؛ لكن للعبة الأكثر شعبية في العالم خصوصية معينة؛ نظراً إلى الاهتمام الكبيرة الذي يوليه العرب لها دوناً عن غيرها من باقي الرياضات. ولا تمييز بين أنواع البطولات المتنوعة؛ سواء كانت محلية أم إقليمية أم عالمية، يتابع الشباب العربي فرق مدنهم أو أنديتهم العالمية المفضلة ويقومون بإنشاء مجموعات لدعم هذه الفرق (رابطة مشجعي النادي الفلاني!). وبالتأكيد؛ فإن للرهان على فريقك المفضل نكهة مميزة (البعض يعتقد أن الرهان على فوز الفريق قد يكون فأل خير له!)؛ خاصة إن ربح الفريق وربحت مبلغاً من المال فوق ذلك. لكن هذا لم يكن متاحاً سابقاً (في الدول التي تمنع المراهنات) قبل انتشار الكازينوهات عبر الانترنت؛ فكان الكثير من الشباب يلجؤون إلى وكلاء يعملون بالسر. الآن؛ وبانتشار مواقع الكازينو عبر الانترنت؛ فقد أصبح الأمر أكثر سهولة لمتابعة هذه الأحداث ووضع رهانات تفصيلية تتجاوز ربح وخسارة الفريق وتمتد إلى عدد الركنيات أو كم لاعباً سيطرد من المباراة والكثير الكثير غيرها من الاحتمالات؛ ما يضفي حماساً زائداً على المباراة.
· سباقات الخيل: تنبع أهمية هذه اللعبة أساساً من تاريخها القديم في الحضارة والثقافة العربية؛ والخيل العربية مشهورة بأصالتها وسرعتها وهناك العديد من القصائد منذ الجاهلية وبعدها تتغنى بجمال الخيل العربية وبأسها. ولا شك أن مشاهدة سباق الخيل يعد أمراً ممتعاً ومليئاً بالإثارة؛ وما يغني هذه الإثارة أيضاً هو المراهنة على الحصان الذي تعتقد أنه الأفضل. من هنا يمكننا أن ندرك أن الرهان على سباقات الخيل قد حقق انتشاراً واسعاً ليس فقط بين فئة الشباب؛ بل بين مختلف الأعمار لدى العرب؛ وخاصة في دول الخليج العربي.
· ألعاب الكازينو: سابقاً؛ لم يكن من الممكن للعرب أن يمارسوا ألعاب الكازينو في بلدانهم نظراً لمنعها كما أسلفنا؛ لكن الأمر مختلف اليوم؛ حيث يمكن لهم الآن المشاركة في أي لعبة يريدونها؛ بما في ذلك ألعاب البوكر والبلاك جالك والبكرات بأنواعها والروليت وغيرها. كل ذلك أصبح سهلاً للغاية ولا يتطلب إلا بضع نقرات على الحاسوب أو حتى الهاتف المحمول؛ لتجد أمامك الكثير من الكازينوهات عبر الانترنت. قد لا تجد أحدها يدعى كازينو العرب مثلاً! لكنك ستجد أن الكثير من هذه الكازينوهات قد تم تعريبه من ناحية الواجهة والقوائم والأوامر المختلفة والشروط والأحكام؛ وستجد أن بعض الألعاب حتى قد تم إنتاجها بناء على القصص التاريخية العربية. يمكنك أن تزور ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ موقع Betfinal؛ وستجد كل هذا وأكثر!
أخيراً؛ من المفيد ذكر أن من أبرز العوامل التي تحول دون انتشار القمار في الدول العربية هو العامل الدينني؛ كما ذكرنا سابقاً. حيث تنص غالبية التشريعات والنصوص الإسلامية إلى “تحريم” القمار وتعدد الكثير من العقوبات التي يجب أن تفرض على ما يخالف هذا التحريم. ورغم أن الكثير من المسلمين المحافظين يتبعون هذا التشريع؛ إلا أن بعضهم الآخر يفسر هذه النصوص والتشريعات بشكل مختلف تماماً؛ وبالتالي لا يجدون أن في المراهنة حرمة طالما أن لا تسبب إدماناً أو ضرراً على النفس والآخرين؛ وأنها تكون مجرد أمر بهدف التسلية والترويح عن النفس في أوقات الفراغ.
ونحن هنا في هذا المقال لا ندعو إلى إدمان المقامرة بالتأكيد؛ بل ندعو إلى أن تكون المراهنة بشكل مسؤول بما لا يؤدي في النهاية إلى خسارة ثروات أو إضاعة وقت العمل أو ضرراً على الصعيد الشخصي أو على مستوى الآخرين. بل أن تكون نوعاً من الترفيه والتسلية فحسب.
الجدير بالذكر؛ أن للمقامرة على المستوى الكلي (أي على مستوى اقتصاد الدول) فوائد جمة وتضيف إلى قيمة كبرى إلى اقتصاد الدول التي تشرعها وتنظمها بطريقة قانونية. وعلى هذا الأساس؛ تشير تقارير عدة أن الإمارات العربية المتحدة تجري دراسة جدية حالياً لقوننة الكازينوهات وإصدار تشريعات تنظم عملها ضمن أراضيها، وهذا الأمر قد لا يكون مستغرباً على الدولة التي تعمل منذ سنوات على زيادة قيمة اقتصادها غير النفطي (أي جميع النشاطات الاقتصادية غير المتعلقة ببيع النفط)؛ خاصة عندما نعلم أن التقديرات الأولية تشير إلى أن دولة الإمارات قد تحقق مدخولاً سنوياً يتراوح ما بين ستة إلى سبع مليارات دولار نتيجة انتشار الكازينوهات على أراضيها.